من الحيوانات التي جاءت الأخبار بأنها نطقت للنبي صلى الله عليه وسلم ما يأتي:
1-
الجمل: جاء في مسند الإمام أحمد بسند صحيح، وفي مستدرك الحاكم عن عبد
اللَّه بن جعفر أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل حائطا- حديقة - لبعض
الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذرفت في عيناه،
فمسح النبي سنامه، وفي رواية مسح ذفراه - والذفرى بالألف المقصورة، هو
الموضع الذي يعرق منه البعند أذنه
- فسكن، قال النبي لصاحب الجمل " إنه شكا إلىَّ أنك تجيعه وتدئبه " أي
تتعبه في العمل.
ورواه أحمد بإسناد جيد عن أنس، ورواه أحمد والحاكم
والبيهقى بسند صحيح من طريق يعلى بن مرة الثقفي، كما روى مثله عن طريق جابر
بسند ضعيف.
وروى الطبرانى عن جابر أن الجمل رغا على هامة النبي في غزوة
ذات الرقاع وقال " إن هذا الجمل يستعديني على صاحبه " أي يشكو لي صاحبه،
وروى الطبرانى في كتاب الدعوات عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان في غزاة، فجاء أعرابي ومعه جمل، وجاء رجل كأنه حرسى، فقال للنبي صلى
الله عليه وسلم: إن هذا الأعرابي سرق بي هذا، فرغا وحنَّ ساعة. فأنصت
النبى، فلما فرغ قال للحرسي "انصرف فإن يشهد عليك أنك كاذب " ورواها أيضًا
عن عكرمة بسند ضعيف، كما روى ابن ماجه آنا رغا ثلاث مرات على هامة النبيِّ،
وكان النبي يؤمن في كل منها، ولما سئل عن ذلك قال "إن كان يدعو له ".
من
هذا يعلم أن الحديث لم يخرج في الصحيحين: البخاري ومسلم، وحكم بعضهم بصحة
رواية أحمد وغيره، كما حكموا على الروايات للحادثة بالضعف في حوادث
متشابهة، ومهما يكن من شيء فليس في هذه الروايات أن الجمل كلم النبي صلى
الله عليه وسلم باللغة التي يفهمها الناس، وكل ما كان من الجمل هو الرغاء
أي صوته العادي، وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم منه بفراسته أو بالإلهام
من الله أنه يشكو وصدق على ذلك صاحب الجمل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم
أن الجمل الآخر كان يدعو له.
وليس هناك ما يمنع عقلاً ولا شرعًا أن
يلهم الله نبيه معرفة لغة الجمل ومقصده من رغائه، فقد ثبت أن داود وسليمان
عليهما السلام كانا يعرفان منطق الطير، قال تعالى {وورث سليمان داود وقال
يا أيها الناس علِّمنا منطق الطير} النمل: 16، وقال {قالت نملة يا أيها
النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم
ضاحكًا من قولها} النمل: 18، 19، وفى شأن الهدهد قال اللَّه {فقال أحطت بما
لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين} إلى أن قال {قال سننظر أصدقت أم كنت من
الكاذبين} النمل: 22، 27.
ومع أن معرفة النبي للغة الجمل وقصده من
رغائه غير ممنوعة عقلاً ولا شرعًا فإن الطرق التي رويت بها هذه الحوادث
بعضها صحيح وبعضها ضعيف.
ومثل هذا لا تثبت به العقائد على ما قرره العلماء.
وعدم تصديقها لا يخرج المؤمن من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر.
2 - الحمار - ذكر ابن عساكر في تاريخه بسنده إلى أبي منصور:
لما
فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أصاب حمارا أسود، فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم "ما اسمك "؟ قال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين
حمار لا يركبها إلا نبي، وأخيرًا قال له النبي صلى الله عليه وسلم "أنت
يعفور" وكان يركبه في حاجته، ويبعثه خلف من شاء من أصحابه فيأتي الباب
فيقرعه برأسه فيعلم صاحب البيت أن النبي صلى الله عليه وسلم يستدعيه فيذهب
إليه.
هذا الحديث قال فيه الحافظ أبو موسى المدينى: حديث منكر جدًا،
إسنادًا ومتنا، لا يحل لأحد أن ينويه إلا مع كلامي عليه. ورواه أبو نعيم
بمثله عن معاذ بن جبل، وهو مطعون فيه، وأخرجه ابن حبان في الضعفاء وقال: لا
أصل له، وليس سنده بشيء وذكره ابن الجوزى في الموضوعات، وقال ابن حجر: إنه
شديد الضعف.
3 - الجدى - قال إنه شهد بأن الرسول مرسل لأجل أن يؤمن أبو لهب بالنبي.
4- الثعبان - وهو الذي لدغ أبا بكر في الغار يقال إنه كلم النبي، ولم أر لهذين الخبرين أثر يعتمد عليه في كتب السنة والسيرة.
5
- الضب - وحديثه مشهور على الألسنة ورواه البيهقى في أحاديث كثيرة، لكنه
حديث غريب ضعيف، قال الحافظ المِزى: لا يصح إسنادا ولا متنا، وذكره القاضي
عياض فى "الشفاء" مرويا عند الطبرانى.
والبيهقى وشيخه ابن عدى كلهم عن
ابن عمر، أن أعرابيًا دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ضب وقال لا
أومن بك حتى يؤمن هذا الضب، فناداه الرسول وسأله عن الله الذي يعبده وعن
رسوله، وهو مطعون فيه بالضعف، وقيل: إنه موضوع، واختار القسطلانى أنه ضعيف
لا موضوع.
6 -الغزالة- روى حديثها البيهقى من طرق، وضعفه جماعة من
الأئمة، لكن له طرق يقوى بعضها بعضا فيكون حسنا لغيره، وذكره القاضي عياض
في الشفاء بلا سند، وأبو نعيم بإسناد فيه مجاهيل وملخص الحادثه أن الرسول
كان في صحراء فسمع هتاف الظبية التي صادها أعرابي وقيدها، وطلبت أن يفكها
حتى ترضع أولادها وتعود فكان ذلك فأطلقها الأعرابي ونطقت بالشهادتين. ذكر
السخاوى أن ابن كثير قال: لا أصل له، ومن نسبه إلى النبي فقد كذب.
7-
الذئب - وقد شهد للرسول بالرسالة، وحكى قصته أبو هريرة وأنس بن مالك وابن
عمر وأبو سعيد الخدرى، ورواها أحمد بإسناد جيد، والترمذى والحاكم وصححا
الحديث. جاء فيها أن ذئبًا أخذ شاة فانتزعها الراعي منه فقال الذئب له: ألا
تتقي اللَّه، تنزع رزقًا ساقه اللَّه لي، فعجب الراعي من كلام الذئب،
فأخبره بأن الأعجب من ذلك أنك لا تؤمن بالرسول الذي ظهر في يثرب فذهب إليه
الراعي وأسلم، وأمره الرسول بإعلان ما حدث من الذئب، ثم قال الرسول "صدق
والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج الرجل من أهله فيخبره نعله أو
سوطه أو عصاه بما أحدث أهله من بعله ".
وروى قصة الذئب البخاري في
تاريخه وأبو نعيم في الدلائل، وإسناده ليس بالقوى ورواها البيهقى في
الدلائل وسعيد بن منصور في سننه كما رواها البغوى وأحمد والبزار وغيرهما
بسند صحيح عن أبي هريرة.
ذكر القسطلانى في المواهب وذكر الزرقانى في
شرحها هذه الحوادث بتوضيح في الجزء الخامس من صفحة 145 - 151، وليس في
أدلتها ما يوجب علينا تصديقها كعقيدة، وإن كان خرق العادات للأنبياء
والأولياء جائزًا لكن لا يجوز أن ننسب إلى الرسول إلا ما وثقنا من صدقه حتى
لا نقع تحت طائلة حديثه "من كذب علي متعمدًا فليتبؤا مقعده من النار" رواه
البخاري ومسلم وما فصله به ربه من الأشياء الثابتة كثير، وكفى بالقراَن
معجزة خالدة باقية تتحدى العالم كله إلى أن تقوم الساعة، وما حدث من
الخوارق قد انتهى أثره